الاثنين، 9 يوليو 2012

وهكذا اختفت الارواح.. ! (سلسلة صفحات من الماضي)



وهكذا اختفت الارواح.. !




استيقظت بكسل عندما تسلل النور بكل خفه من خلال ستار الدنتيال الوردية.. أخذت تلك الأنوار تداعب جفونها الناعسة...
مما جعلها تنهض من السرير وهي مازالت تشعر بالتعب...
كان يوما عاديا ككل الأيام..
نزلت الدرج بهدوء وهي تفرك عينيها.. وتتلفت يمنه ويسرى باحثه عن الضجة المعتادة من إخوتها الصغار وقلقلة أطباق وأكواب الإفطار التي تعدها والدتها.. وصراخ والدها كونه تأخر على العمل.. ولكن كان البيت هادئا..
فعزت الأمر أنها استيقظت باكرا..
دخلت دورة المياه لتستعد للمدرسة.. وخرجت متوقعه أن ترى الإعصار قد عصف بغرفة المعيشة والبركان قد ثار بالمطبخ.. ولكن لا شيء.. هدوء دامس مثل الليل.. وسكون مطبق يجعل المرء يسمع أنفاسه..
نظرت من خلال نافذة غرفة المعيشة وكان الجو بالخارج صحوا.. وكان باختصار نهار كباقي الأيام..
ولكنها لسبب ما أحست بأنه يوم عادي فوق العادة..(بشكل غريب)..


ارتقت السلالم مجددا ودخلت غرفتها.. نظرت إلى الساعة كانت السابعة.. والى اليوم فكان الثلاثاء..
استغربت كيف أن اليوم في نصف الأسبوع وهذا الهدوء.. لم تبالي للأمر وارتدت ملابسها لتلحق بدوامها...
وما إن انتهت.. نزلت مجددا لتجد.. كما توقعتم السكون مازال يخيم على المكان.. أسرعت نحو غرفة والديها فتحت الباب فلم تجد احد.. وإخوتها كذلك.. نزلت الدرج مسرعه.. باحثه بأرجاء المنزل ولكن دون جدوى..
فكرت بأنه ليس عيد ميلادها اليوم.. لذلك لا يمكن أن تكون إحدى مفاجئات والدتها...

دقت الساعة معلنه بأنها الثامنة تماما فما كان من (كارولين) إلا أن أخذت حقيبتها لتسرع إلى صفوفها..
لتجد الصدمة الأكبر..
فقد كان الشارع خالي تماما.. الأسواق قد فتحت أبوابها على مصراعيها ولكن.. لا احد..
ركضت إلى منزل صديقتها لتجده مظلم خالي من الحياة.. أخذت تسرع الخطى يمنه ويسرى دون هدف.. مره تدخل متجرا ومره منزلا تبحث عن نوع من الحياة ولكن لا شيء.. سكون مطبق.. سكون يبعث الخوف وينبه الأعصاب بان هناك
خطبا ما...

جلست (كارولين) على حافة الرصيف.. دون أن يدور برأسها أي أفكار.. وعينيها مركزه على سيارة فراري حمراء وبالكاد كانت تراها من الدموع.. نهضت ونفضت عنها الغبار..
أمسكت بالباب وفتحته.. نظرت داخل السيارة وكان المفتاح معلقا بفتحته..
فصعدت بعجل واستلمت المقود.. والنشوة واللذة جعلت القشعريرة تسري ببدنها.. أدارت المفتاح..
فدبت الحياة في السيارة الحمراء.. وزمجرت معلنه بأنها ستنطلق بأي لحظه..
قامت بفتح الراديو ولكنها لم تجد أي محطة..
بحثت بالأدراج إلى أن استقر نظرها على قرص مرن لمغني راب.. وضعتها في المسجل.. وتعالت الأصوات من المكبرات مغطيه بذلك رجفات قلبها.. فوالدها الذي يمنعها من القيادة كونها بالرابعة عشر من عمرها ليس موجود..

وهي الآن في سيارة فراري حمراء مثل النار اللهبه تناديها لتسابق الريح.. فما كان منها إلا أن لبت النداء وكبست على المكابح وانطلقت بأقصى سرعه.. دون أن تحفل بما يحصل في هذا اليوم الغريب.. ولكن غرابته على ما أظن راقتها كون لا احد كالعادة يطاردها إذا ما قطعة إشارة المرور بسيارة والدها بعد أن تسرقها منه..

فجاءه توقفت..
نظرت إلى يمينها.. كان هناك أكثر ما تمنته أي فتاة.. وهي بالذات ولكنها لم تكن تملك النقود لتشتريه..
ترجلت من السيارة بعد أن تركتها بمنتصف الطريق.. وسارت ببطء ووقفت أمام نافذة زجاجيه تطل على بتربينات زجاجيه أخرى بجوفها عقود وخواتم من الألماس..
فتحت الباب ودخلت.. وهيا تلعق شفتها لذة..
كان قلبها ينبض مجددا بسرعة فائقة.. فلم تحتمل هذه الإثارة وحملت كرسيا موضوعا جانبا وحطمت الزجاج..
فتعالت أصوات الإنذار.. ولكن إنذار لمن.. فلا شرطه ولا بشر.. ولا حتى حيوانات.. فأكملت ما بدأته.. متجاهله صوت الإنذار الذي يصم الأذان.. وانتقت أغلى وأروع الخواتم والأساور الماسية.. وعقد رائع مزيج بين الذهب الابيض والألماس.

وما إن انتهت من متجر الألماس حتى ذهبت منه إلى متجر للأحذية.. وتبعته بمتجر للملابس..
ومنه إلى مطعم فخم.. ولكنها تذكرت بأنها ستخدم نفسها.. فكتفت بمركز تجاري للاطعمه...
وما إن دخلته حتى ذهبت إلى قسم الحلويات.. وأخذت ما تريد وبعدها إلى الطعام المثلج.. ومنها إلى المثلجات رغم حساسيتها ولكن لا يوجد من يحاسبها..
وأخيرا ذهبت إلى قسم المشروبات ولكنها تذكرت بأنها لم تذوق طعم الخمر في حياتها.. فأسرعت إلى القسم المخصص وأخذت أغلى الأنواع... معتق واحمر مثل سيارتها..
وبينما هيا تغادر مع أغراضها لمحت كشك لسجائر فأخذت درزينا منه وأكملت طريقها..

صعدت إلى سيارتها الفراري ولكن لم تتوجه إلى منزلها.. بل إلى أفخم المنازل بالمنطقة.. منزل العمدة..  كان في منتهى الروعة ويطل على البحر مباشره.. تجولت قليلا في المنزل وعبثت بأغراضه.. من ثم حان موعد ذهابها إلى المنزل وفي طريقها لم تنسى أن تشتري أو لنقل تأخذ مجموعه لا باس منها من الأفلام..
جهزت (الفيديو).. ووضعت الفلم وتربعت على الأريكة بغرفة المعيشة بمنزلها.. ويحيط بها جميع أنواع الطعام.. تناولت منها إلى حد التخمة.. وقبل أن تغرب الشمس بلحظات.. كانت قد غطت بنوم عميق...

استيقظت اليوم التالي بنفس كسل اليوم السابق..
فركت عينيها لتجد كل شيء كما تركته بالأمس..
تثابت بلا مبالاة.. ونهضت من على الاريكه وهي مازالت تشعر بنعاس.. فتحت باب المنزل لتجد أن الفراري مازالت نائمة أمام المنزل.. فعادة مجددا إلى المنزل وذهبت مباشره لتأخذ حماما سريع.. وطوال الفترة وهي تحت الدش كان جل تفكيرها أن الغد هو يوم رأس السنة.. لذلك عليها أن تحتفل بصخب.. بطريقه فريدة وجديدة..
فغادرة المنزل بقصد إحضار مستلزمات الحفل.. واستطيع القول بأنها تقريبا انتقت نصف السلع الموجودة بالمدينة.. وما إن وصلت إلى المنزل حتى طرأ لها بان الأمر سيكون رائع لو تثلج بكاليفورنيا.. تنهدت وهي تتناول عشائها على الاريكه.. وتنظر إلى شجرة الميلاد السخيفة برائيها.. فقد كانت قد زينتها والدتها..
وما إن انتهت ودار القرص داخل الفيديو حتى غطت في نوم عميق من التعب في تمام السابعة..

في اليوم التالي وبالتحديد يوم الخميس.. نهضت على غير العادة بكل نشاط وأسرعت لتنظر من النافذة لعل الثلوج قد غطت الطرقات.. لتجد أن سيارتها الفراري تلمع تحت أشعت الشمس بكل غضب.. كما لو كانت حمم بركانيه... تتأجج أمام منزلها...وعدا ذالك كل شيء كما هو لم يتغير..
 وان اليوم باختصار عادي بشكل غريب..
فما كان منها إلا أن حملت مفاتيح سيارتها من على المنضدة وأسرعت خارج المنزل دون حتى أن تبدل ملابسها وتغتسل...
قادة سيارتها بكل تهور قاطعه بذلك الطريق السريع مثل عاصفة هوجاء.. وصوت محرك السيارة يقطع السكون القابع على العالم..
كانت تتلفت يمنه ويسرى باحثه عن أي نوع من الحياة.. ليس لأنها كانت قد ملت الوحدة.. فالوحدة هي كل ما كانت قد تمنته.. ولا أخفيكم سرا عندما أقول بأنها كانت تحلم بهذه الأيام.. وتصلي لها.. فهي لم تكن من النوع الذي يحب أي علاقة اجتماعيه.. مع أي كائن بشري... فقد كان عشقها الأزلي هو (أنا)..
و(أنا) فقط هيا ما عرفته في حياتها..

فقد كان مقصدها من هذه الرحلة هو معرفة السبب..
فعلى رغم سعادتها بالأمر.. إلا أن الفضول كان يقتلها.. فإن كان هناك شيء تعلمته من الحياة فهو أنها لا تعطيك شيء بدون مقابل.. فالحياة لم ولن تكون برأيها عادله وكريمه إلى هذا الحد..
لذلك كان عليها أن تعلم ماذا حدث فعلا..؟؟!!

توقفت عدة مرات على الطريق السريع لتملئ السيارة بالوقود وتأخذ بعض الأطعمة لها.. وأيضا لتبحث عن نفس أو نبض للحياة.. استمر الأمر إلى العصر تقريبا.. عندها أحست باليأس رأت أن عليها العودة فلا فائدة من رحله بلا وجهى.. فما فائدة النهاية إذا لم يوجد طريق إليها...
فقامت بالالتفاف لتعود أدرجها.. ولكن ما إن فعلت حتى التقطا انفها راحة غريبة.. فتحت النافذة لتصدم براحه نتنه.. بل أسواء من ذلك.. لم تستطع التنفس من شدتها وضعت كم قميصها على انفها..

ترجلت من السيارة.. وسارت بضع مترات عندما رأت جبل.. بل جبال في منطقه لم يعرف عنها ذلك.. تقدمت بحذر محاوله فك رموز المناظر التي تراها عينيها.. وكلما كانت تقترب كان يحل لها عقده.. عقده من اللغز بهدوء..
وما إن وصلت إلى تلك الجبال حتى وقعت أمامها على ركبتيها من الصدمة.. والخوف..
فقد كانت تلك الجبال والتلال عبارة عن أكوام بشريه..

لم تتمكن من الاقتراب منها بسبب بركة أو بالأصح بحيرة الدماء الكامنة أمامها...
كان منظرا مقززا.. وحشيا.. وغريب..
ولكن لا شيء سوء السكون وجبال من بشر تعصف بهم الرياح.. وبركه من الدماء..
تنهدت بدورها.. فقد كانت ترغب برؤية الشخص الذي قام بهذا الأمر...
ليس لسبب معين.. فقط من باب الفضول كما ذكرت...
لا أنكر بأنها كانت خائفة.. وهيا تعلم أين كان السبب المسبب لذلك فهو خطير... ولكن مجددا الفضول..
رفعت كتفيها حيره وهيا تنهض.. وعادت أدرجها إلى السيارة ولكن الظلام كان قد أدركها..

ولم يلف بها فقط بل لف قلبها الصغير أيضا... لطالما كان والدها يستغربان تصرفاتها الخالية من جميع أعراف الإنسانية.. كانت صاحبة ضمير اسود مثل الطلاء الذي تصبغ به أظافرها..
كانت بالمختصر تعيش بركنها المظلم.. حيث حتى وحوشه قد تخاف منه.. ولكن ليس (كارولين)...

أمسكت بمقبض الباب لتفتحه.. وما إن فعلت حتى شعرت بيد على كتفها..
لم تلتفت إلى الخلف.. أو تتحرك.. أو حتى تتنفس.. فلا داعي لذلك كون انعكاس أين من امسكها كان على زجاج نافذة الباب..
وقبل أن تكون صورة كأمله له بسبب الظلام الذي حل.. كان قد اختفى معها وسط الظلال.. واختفى صراخها مثل أشعة تلك الشمس فوق الأوفق..
لتعلو جثتها من وسط بركة الدماء.. ويصبح عدد سكان الكره الأرضية ثلاثة أشخاص.. فلم تكن هي أخر شخص حي..
كون تلك المخلوقات تظهر فقط في الظلام.. عندما تمتلئ السماء بنجوم.. ليس لشيء.. فقط لتتسلى بأرواح أولائك الذين كان حظهم سيء ليقرروا السهر قبل ليلة رأس السنة..

أو كما في حالت (كارولين) الفضول المطلق..
وهكذا أشرقت الشمس على سنه جديدة.. مليئة بالدماء.. وخاليه من الأرواح..
فقد كان مصير الثلاثة مكتوب بالدماء...


تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق