الخميس، 29 سبتمبر 2011

لا تؤدي خدمة لأحد..!

بعد الانقطاع لمدة سنة عدة بهدية بسيطة (قصة غامضة من تأليفي)

أرجوا أن تستمتعوا بقراتها



  

أجعل أصدقائك أعدائك وأعدائك أصدقائك!!

وحطم كل تلك اللافتات المسمى أخلاص وكرم وإيثار..

ولمرة أستمع لأنانيتك المنبوذة.. ودع الغرور يسيطر على خطواتك..

وأطفئ الشمس بنسيم الليل الساحر..

وبعدها سيكون الشيطان ظلك.. والسعادة الكأس الذي تتجرع منه الحياة..

 

 

 

ـ ( إلا تفهم؟؟.. يا غبي قلت لك ابعد الوسادة إلى الخلف)

قدر الإمكان يحاول ذلك الشاب إن يحافظ على قبضته على الوسادة دون أن يضرب بها ذلك العجوز الخرف وقال على مضض : حاضر أبي فقط أهدى..

ـ كيف أهدى وأنا لدي أبن غبي مثلك.. أنت مجرد ثور ضخم لا فائدة منك..

ضحك الشاب رغم أنه يتمنى لو يضرب رأس والده بالحائط وأردف: أبي أعرف بأنه لا غنى لك عني..

صرخ الرجل العجوز وهو يصفع مؤخرة رأس أبنه: يا لك من جاحد بدوني ستصبح متشرد أيها الغبي عديم الفائدة.. وبنقودي سأشتري عشره من أمثالك غادر من أمامي وأطلب من تلك الكسولة أن تعد الشاي..

غادر وهو يتمم : لكنك ابخل من أن تحضر ربع خادم..

صرخ والده: بماذا تهمم مع نفسك أيها الغبي؟ هل أصبحت مجنون الآن؟

تنهد توني وهو يدخل إلى غرفة المعيشة...

حيث كانت تجلس والدته تشاهد التلفاز بينما أخته الصغرى نورا تؤدي فروضها المدرسية وعمرها 14 سنه وإلى جوارها تساعدها شقيقتها لينا وعمرها 25 سنه.. وبالمناسبة الشاب الغبي أسمه توني وعمره 24 سنه...

لنعد إلى غرفة المعيشة مجددا..

سألت والدة توني دون أن تزيح عينيها عن التلفاز: هل وبخك والدك مجددا؟

لينا: ماذا فعلت هذه المرة؟

أجابتها نورا: لا بد أنه سكب الماء أو تكلم قبل أن ينهي والدي كلامه..

أطفأت والدته التلفاز وألقت بالوسادة على نورا لتصيبها برأسها ونظرت بعينين باردتين إليها وقالت: توقفي عن الحديث وأنهي فرضك.. وأنت لماذا كان والدك يصرخ؟

تنهد وهو يجيب: هل كان هناك يوما ما سبب منطقي حتى يصرخ والدي؟

ونظر إلى نورا وقال بطريقة أمره: أنتي.. والدي طلب أن تصنعي له الشاي..

صرخة : لماذا لا تصنعه لينا؟

ـ لقد قال أطلب من تلك الكسولة أن تصنع الشاي وليس المجنونة..

عندها نهضت لينا وهيا تصرخ بدورها: كيف تجرا أن تقول لأختك الكبرى مجنونه؟

ـ لست أنا بل والدي يسميك مجنونة وهي كسولة وأنا غبي وأمي جشعه وماك المبذر..

دخل وقتها ماك مقاطعنا حديث أخيه: لا لقد تغير أسمي لقد نادني منذ قليل بالعاق

نهضت والدتهم بهدوء وأردفت: سأعد له الشاي قبل أن يبدأ الصراخ وأنتي أتمي فروضك..

جلس ماك مكان والدته واخذ جهاز التحكم وبدا يتنقل بين القنوات..

(ماك أكبر أخوته عمره 27 سنه)

نورا: أطفئ التلفاز لا أستطيع التركيز

ـ إذا غادري..

عندها أتى صراخ والدهم : ماذا هل أصبحتم لا تسمعون الآن.. أخفضوا صوت التلفاز.. يا لكم من حمقى..

عندها أطفا ماك التلفاز وهو يعلق: لو لم يكن مقعدا لذهب لتغير أسمائنا بشكل رسمي إلى أحمق وغبي..

ضحك كل من بالغرفة على تعليقه..

عندها قالت لينا: مهما كان علينا أن نتحمل والدنا سأذهب لمساعدة أمي بإعداد الشاي..

وما أني غادرة لينا حتى نهضت نورا لتجلس بجانب ماك وتكلمت بصوت هامس : هل كان والدي هكذا قبل الحادث؟

أجاب ماك: أتمزحين أنه مقارنه بالسابق يعتبر وديعا جدا..

أكمل عنه توني: بالسابق على الأقل لم يكن يصرخ ويشتم..

ابتسم عندها توني بطريقه غريبة وأكمل: عندما يغضب يكتفي بضربنا حتى يكاد الموت يقبل أروحنا..

عندها بدأت عيني نورا تتسع من الخوف فما كان من ماك إلا إن احتضن أخته وقال: لا عليكِ كان هذا بالسابق الآن هو رجل عجوز مقعد بالكاد يمسك بكوب الشاي..

أرى أنكم فهمتم الجو السائد بذلك البيت.. والكره الشديد الذي تركز بنقطه واحده..

ومع ذلك لم يستطيع أحد منهم المغادرة وترك ذلك العجوز المتسلط..

فكيف لجشعه أن تغادر وتترك أبنائها.. فحب الأم لن توجد لغة بالعالم تترجمه لسموه..

وكيف لمبذر قضى جل حياته يهرب من بيت خنق بالإهانة إلى حفلات ينسيه شرابها ذلك الجو المشحون أن يترك البنك الممول له..

وكيف لمجنونه المغادرة بعد أن فقدت عقلها وروحها.. ونبذت العالم لتعيش خلف الأبواب الموصدة لان والدها رفض تزويجها من حب حياتها..

وكيف لغبي تقمص الدور الذي أوكله له والده حتى أصبح لمن يراه مجرد عبد لا يملك الحرية إلا إن ينفذ أوامر سيده, الرحيل؟!

وكيف لكسولة لا تعرف من ذلك العالم سوء التلفاز وحجره من جحيم بأخر الرواق يكمن فيها عجوز جبار تلقبه بوالدها أن تحلق إلى الجنة..

بالأخير بقي الجميع بأماكنهم يمثلون نفس الدور حتى أنتقل والدهم إلى رحمة الله أو ربما إلى جحيم أقسى من الجحيم الذي عايشته أسرته معه..

مهلا هل تتوقعون أني سأنتهي بنهاية سعيدة؟

هل تظنون بأني بهذا اللطف والكرم؟.. لأدع شخصيتي المفضلة تموت بهذه السهولة؟

لنعود لذلك العجوز الذي فقد القدرة على المشي أثر حادث سير وهو بأحد سفراته..

وقضي بقية حياته مقعدا يتمتع بإهانة عائلته وتعذيبهم مقابل المال..

يصرخ ويصرخ ويصرخ حتى تشققت جدران المنزل من صراخه..

كأن دائم يردد هذه السطور حتى أصبحت دستوره

أجعل أصدقائك أعدائك وأعدائك أصدقائك!!

وحطم كل تلك اللافتات المسمى أخلاص وكرم وإيثار..

ولمرة أستمع لأنانيتك المنبوذة.. ودع الغرور يسيطر على خطواتك..

وأطفئ الشمس بنسيم الليل الساحر..

وبعدها سيكون الشيطان ظلك.. والسعادة الكأس الذي تتجرع منه الحياة..

كان هكذا دائما لا يؤدي خدمة لأحد دون مقابل..

حتى عائلته مقابل مصروفهم الشهري عليهم أن يكونوا عبيدا له..

منطقه هذا جعله من أغناء الأغنياء أيام قوته..

حتى أستطاع أن يبقى على نفس الحال من البذخ بعد الحادث..

وبينما هو يجلس على سريره ينتظر العشاء بأحد الليالي شديدة البرودة يدخل ماك إلى الغرفة ومعه رجلين..

عندها صرخ العجوز بسخط: أيها المبذر العاق كيف تدخل الغرفة دون أن تطرق الباب؟ وأي مشردين أحضرتهم معك؟!

تجاهله ماك واخذ يكلم احد الرجلين: أين الأوراق؟

سلمها له مع محبره.. فتح المحبرة وامسك بيد والده بخشونة وجذبها له وجعله يبصم على تلك الأوراق رغما عنه..

أخذ يلعن ويسخط ذلك العجوز لا يعلم على أي أوراق اجبره ابنه على أن يبصم عليها..

غادر ماك وهو يضحك مع الشابين متجاهل ندات والده وغضبه..

دخلت على أثره ابنته لينا وضعت له العشاء على طاوله قريبه..

صرخ عندها: أيتها المجنونة الحقي أخاك واجذبيه لي بالقوة وإلا..

قاطعته ابنته بعينين باردتين : وإلا ماذا؟!

جحظت عيني العجوز عندما أدرك الآمر.. (إلا ماذا؟)

فهو بالكاد يستطيع يجلس بمفرده دون مساعده.. ماذا يستطيع أن يفعل؟

هو الآن أشبه بطفل لا حول له ولا قوه..

غادرة أبنته دون أن يشعر بها..

بينما بقي ذلك العجوز مكانه بعينين جاحظتين هلعا..

وما هي إلا دقائق حتى أخذ ذلك العجوز يضحك..

باليوم التالي دخل أبنه عليه الغرفة ساخطا يصرخ: أيها العجوز الماكر..

رشف والده من الشاي وقال : هل تظن أني بهذا الغباء حتى أترك نفسي رهينة بدون أن احتاط وسط مجموعة من المحتالين..

ماك وأطرافه ترتعد من الغضب: إن أمسكت الشرطة بي الآن سأسجن لعشرين سنه.. ستضيع حياتي بسببك أيها الحقير..

عندها ألقى العجوز بكوب الشاي وبعنين جامدتين قال: تكلم باحترام مع والدك يا فتى.. وإلا مددت الفترة لتصل لثلاثين سنه..

ـ كيف تسمي نفسك والدي أنك أحقر مخلوق على الأرض..

وانهار على الأرض يبكي..

عندها ضحك ذلك العجوز وقال: كن رجلا وتوقف عن البكاء والدك يستطيع تهريبك خارج البلاد ولكن أوراق التنازل عن أملاكي التي جعلتني ابصم عليها البارحة أين هي أولا..

نظر إليه ماك بعينين غرفة بالدموع..

أكمل والده وقد امتزج صوته بنبرة قاسية: لن أعملكم بلطف بعد الآن..

وحصل ما طلبه الأب وهرب أبنه إلى أحد المدن البعيدة قبل أن يتم الإلقاء القبض عليه بتهمة متاجرته بالمخدرات..

واستمر ذلك الجحيم لثلاث سنين بعدها..

وبنفس تلك الغرفة بأخر الرواق تعال صراخ نفس العجوز.. طالبا لشاي الصباح..

فعلى غير العادة تأخرت لينا عن أحضارة..

تعالى صراخه: أيها الكسالى عديمي الجدوى أين الشاي؟.. علي أن أرميكم إلى كلاب الشارع فهذا مكانكم..

ولكن السكون هو ما عم إرجاء ذلك المنزل الضخم..

أخذ يفكر العجوز ماذا يحدث لماذا لا يرد عليه احد؟

تناول سماعة الهاتف ولكن الخط مقطوع..

ازدادت حيرته..

عندها مثل الصاعقة شقت ذلك السكون صراخ تعرف عليه على الفور كان صوت زوجته..

صمت وسكنت أطرافه كما لو إن كل مسامه فيه ترهف السمع..

سمع زوجته تصرخ: لا.. لا.. اتركها..

وبعدها أتى صوت لينا: أمي لا عليكِ غادري أنتِ ونورا.. اهربي أرجوكِ

فجأة صوت ارتطام وتعالى صوت بكاء..

بدأت عندها مقلتا عينه تتحرك بشكل مضطرب..

لم يحتمل وقتها وصرخ: ماذا يحدث بحق الجحيم؟

وفتح الباب لتدخل لينا ومعها الشاي..

وبلهفة ممزوجة بالخوف: ماذا يحدث لماذا كانت والدتك تصرخ؟

ردت لينا باستغراب: أمي ليست بالمنزل..

ـ ماذا.. إذا من كان يصرخ منذ قليل؟

ـ لا أحد.. فالجميع بالخارج ولا يوجد بالمنزل غيري..

سكت العجوز والحيرة قد نهشت ملامحه الغاضبة..

وفي مساء ذلك اليوم كعادته عاد يصرخ طلبا للعشاء كون لينا تأخرت مجددا..

ولكن لم يجد من يجيبه.. نادى على زوجته وأيضا لم يتلقى نداء..

جرب كل السبل للاتصال بالعالم خلف أبواب غرفته ولكن السكون كان قد عم المكان..

تعب أخيرا من كثرة الصراخ وقرر النوم..

أستيقظ باليوم التالي وهو يسعل بشدة.. وما أن فتح عينيه حتى كان الدخان يملئ كل ركن بغرفته..

جزع من الآمر.. أخذ ينادي بصوت تقطع من اختناقه بالدخان..

عندها عزم الآمر وقرر الزحف بيديه إلى الخارج.. فأن بقي سيشوى حيا..

وفعلا أخذ يسحب نفسه بمشقة إلى إن وصل إلى الباب..

فتحه بعد عناء وغادر واخذ يسحب نفسه خلال الرواق الطويل وهو يشاهد الغرف على جانبيه وقد فتحت أبوبها على الجحيم.

والنيران المتسعره تلفح وجهه وجسمه المهترا من سنون الزمن..

أخيرا وصل للدرج.. أخذ يصرخ لعل أحدا يجيبه عندما ظهرت له نورا تركض ببوهة المنزل..

نادها كما لو كانت طوق نجاة: نورا.. أيتها الكسولة تعالي ساعديني لأغادر أو نادي ذلك الغبي بسرعة..

نظرت إليه بدورها نورا وأخذت تتلفت بإرجاء المكان كما لو كانت تبحث عن مصدر الصوت..

عندها ظهرت والدتها لتجذبها بقوه وتغادر معها المنزل متجاهلين ذلك العجوز البأس..

أخذ يصرخ ويمد يده لعله يمسك ذلك الباب الذي يعبر به إلى بر الأمان.. وما هي إلا لحظات حتى تدحرج من الدرج وسقط فاقدا للوعي وقد شجا رأسه...


فتح عينيه فزعا واخذ يخمد النار التي بدأت بنهش جسمه.. توقف لبرهة وهو ينظر إلى زوجته التي أخذت تراقبه كما لو كان فاقدا عقله.. نظر حوله ليرى انه مازال بغرفته لم يغادرها بعد..

نظر حوله كل شيء بمكانه ولكن لماذا يشعر أن رأسه يؤلمه امسكه وهو يئن من شدة الألم كما لو أن مسمارا قد ضرب فيه.. نظر إلى زوجته وقال : ماذا حدث للحريق؟؟.. ولماذا راسي قد ربط بشاش؟!

أجبته والحيرة لم تفارق محياها: أي حريق؟! لقد وجدناك بأسفل الدرج ملقى.. بالله عليك لماذا لم تنادي على احد منا ليساعدك بالخروج.. هل تعلم انه كان من الممكن إن تموت من تلك السقطة؟

ـ هل تحاولين إن تفقديني رشدي يا أمراءه لقد كان هناك حريق بالمنزل.. وكنت أحاول الهرب منه كونكم تركتموني أيها الجاحدون الناكرون للجميل..

أجابته : يبدوا أن السقطة قد أثرت على راسك فلم تعد تعي الواقع من الوهم..

عندها اتسعت عينيه كما لو كانت تريدان التهامها وصرخ: هل تظنين باني فقدت عقلي؟!.. أنتِ الخرفه وليس أنا, غادري ولتلعنك السماء أيتها الجشعة الغبية..

غادرة زوجته وهي تتنهد فقد اعتادت على مزاجه الصعب ولسانه السليط ولكن لأول مره يتحدث كما لو كان فقد عقله.. فلطالما كان صاحب عقل يقظ ذكي أشبه بثعلب.. أخذت تسال نفسها هل يا ترى فقد زوجها عقله؟

مر شهر تقريبا على حادثة الحريق.. أو لنقل وهمه بالحريق.. في الحقيقة لا اعلم..
عند الظهيرة كان يجلس على كرسيه المتحرك يقرا كتابا على شرفة غرفته وبجانبه قد اختلط دخان الشاي براحة الكعك المنزلي كما لو كانا يؤدين رقصه شرقيه مغرية على كل قرعه تقرعها تلك الملعقة على حواف الكوب محاوله قد الإمكان إن تستثير شهية ذاك العجوز البارد..
ولكن لم يفوز بتلك الرقصة سوا الشاي أم الكعك فكان من نصيب الذباب المتطاير الذي كان يتعمد إلا يفسد هدوء البركان المنكب بكل اهتمام على ذلك الكتاب الذي كان يحمل عنوان (كيف تعرف ما يفكر به أعدائك).. ارتشف رشفه بطيئة وأعاد الكوب من ثم قلب الصفحة..
ثم ارتشف رشفه أخرى كانت اقصر من سابقتها كونه بدا يقرا نقطه أسرت اهتمامه.. ومن ثم قلب الصفحة.. وكان عليه إن يسير على هذا المنوال من الروتين ولكن رياح التغير تطال كل شيء وتعشق كل روتين حتى تقلبه رأسا على عقب..
تك....تك تك............. تك.. كما تلاحظون نقرات الباب مترددة خائفة لأنها تتوقع التالي..
زمجر العجوز من ثم صرخ بسخط: ما هذا الإزعاج.. ؟!
فتح الباب بهدوء وأغلق.. كان ذلك العجوز يعطي ظهره للباب لذلك لم يرى من دخل.. ولكن كان بمقدوره إن يسمع الخطوات..
تراك.... تراك.. تراك.. ومعها سمع صوت تنفس أشبه بأنفاس كلب يلهث.. ومن ثم.. تراك تراك تراك... تحولت الخطوات البطيئة لركض.. وعندما حاول العجوز إن يتبين من هذا الذي يركض خلفه.. كان ذاك الشيء أسرع حيث دفع الكرسي بقوه مما تسبب بتحطم سور الشرفة وبالتالي وقوع سيد ذلك المنزل من ثالث طابق..

عصر ذلك اليوم كان المنزل يعج برجال الشرطة الذين شرعوا بالتحقيق مع إفراد العائلة...
وما إن هدئ المنزل وغادرت الشرطة حتى جلست الأم وأبنائها على الطاولة بسكون تام كما لو كان على رؤوسهم الطير..
تكلمت أصغرهم عندما شعرت بالممل من ذلك السكون: لماذا ألقى أبي نفسه من الشرفة؟
ردت لينا عليها: استخدمي فمك لتناولي الطعام ..
توني: لماذا أشم بالموضوع جريمة من نوع ما.. اشعر حقا كما لو إني برواية بوليسية سيكون من الرائع لو اكتشف الفاعل.. وأطلق ضحكه تناسب حجمه الكبير وعقله الصغير..
تكلمت الأم بغضب وهي تضرب يدها بالطاولتين: كيف تتكلم بهذا الهراء ووالدك بالمستشفى معلق بين الحياة والموت..

مر أسبوع على الحادث واستيقظ الأب وكان المحقق بالإضافة لزوجته ودكتورة وممرضة بغرفته بمستشفى البلدة.. أول ما فتح عينيه اخذ يقلبهم يمنه ويسرا واستقر نظره على زوجته..
تكلم المحقق: سيد جيمس اعلم بأنك متعب ولكن هل لك إن تذكر لي ما حدث ظهر السبت الثالث من سبتمبر؟ هل تستطيع تذكر شيء سيدي؟
ـ دفعني.. شيطانه.. اقتلـ..
المحقق: عفوا.. ماذا تقصد؟ والتفت إلى الطبيب وقال: هل أنت متأكد بأنه بكامل قواه العقليه؟
رد الطبيب: أحيانا بعض المرضى يأخذون وقتا حتى يفيقوا تماما من الغيوبه.. وقد تكون السقطة أثرت على عقله.. لحظه سيدي المحقق..
توجه الطبيب إلى الرجل العجوز الذي تركزت نظراته على زوجته وقال: سيد جيمس هل لك إن تذكر لنا اسمك و.. وقبل إن ينهي عبارته قاطعه السيد جيمس بصراخه المعتاد..
حيث قال : أيها الحمقى القوا القبض على هذه الشيطانه لقد رايتها وهي تدفعني من الشرفة حمد لله حين فعلت ذلك تحطم السور وإلا لمن أكن لأراها.. إنها شيطانه لقد رأيت وجهها الحقيقي إنها تقوم بالسحر.. نعم تقوم بالسحر .. لابد إنها السبب بكوني لا أستطيع المشي.. أيتها الجشعة الناكرة للجميل كيف لك إن تقتليني..

وهم بحمل المزهرية ليلقيها على المرأة التي فغرة فاها من الاتهامات التي تسمعها فما كان من المحقق كرد فعل طبيعي بحكم عمله إلا إن امسكه من يده وساعده الطبيب والممرضة وأعطوه حقنه مهداه وما هي إلا دقائق وكان يذهب بسبات عميق...
بالممر جلست السيدة جيمس شبه مصدومة لا تعي ما يحدث.. تحدث معها المحقق ليهدئها بعد إن ناولها كوبا من الماء: من كلام الطبيب يبدو إن زوجك يعاني من الجنون.. لقد أشار إن يعرض على طبيب نفسي.. أظن من الأفضل إن يودع بمصحة سيدتي لا تقلقي لقد اخبرني الطبيب إن المصحات جيده بالبلدة المجاورة..
صمتت لوهلة تلك الأم كما لو كانت تفكر بعمق من ثم اعتلت وجهها ابتسامه وقالت: سيصبح البيت أكثر هدوء الآن.. افعلوا ما ترونه مناسبا سأحظر بالغد لواقع الأوراق اللازمة أظن باني الآن أصبحت المسئولة عن أملاكه صحيح؟

أومئ لها المحقق بنعم..
أردفت بدورها: حسنا عليا إن أغادر الآن لأعد العشاء لأبنائي.. طبت مساء وشكرا على مساعدتك..
ـ أجابها المحقق دون إن يخفي ارتباكه من ردة فعلها: لا... لا داعي للشكر سيده جيمس.. طيبتي مساء.
وما إن غادرت حتى أتى زميل المحقق يسأله عن ما حدث فاخبره بتفاصيل ما جرى وردة فعل السيدة جيمس الغريبة..
أردف المحقق: لو لم يقل تلك الجملة لألقيت القبض عليها..
ـ أي جمله؟
لقد قال بان سور الشرفة قد تحطم ورآها.. أنت تعلم انه عندما رأينا الشرفة كانت سليمة بدون أدنى خدش.. لذلك أيقنت من جنونه.. ولكن استغرب تصرف تلك المرأة خلال الأسبوع الماضي فقط كانت شبه منهارة أما الآن فكما لو كانت أمراءه أخرى بابتسامتها تلك.. أشبه.. أشبه بشيطان كما وصفها زوجها..
ـ أتظن إن الزوج محتفظ ببعض الذكريات وفعلا زوجته من قامت بدفعه ولكنه اختلطت مشاعره بالواقع الإحداث اثر الإصابة؟
ـ المشكلة كل ما قاله لا يتناسب مع الوقائع لذلك لا نملك إلا إن نقول عنه مجنون.. أضف إلى ذلك استجواب إفراد العائلة جميعهم اجمعوا بان والدهم بالفترة الأخيرة اخذ يؤذي نفسه ويتوهم حرائق لم تحدث وأصوات ليس لها أساس.. أظنها أثار الجنون فعلا.. اممم أتظن بان جميع إفراد العائلة مجانين.. فلا يوجد غير التفسير هذا لتصرف الزوجة..
بالمنزل الكبير جدا بأخر الرواق بالغرفة التي تشققت جدرانها اثر الصراخ المتزايد عليها يوما بعد يوم..
كانت هادئة لشهرين متتالين من بعد رحيل السيد جيمس منها.. حتى تكاد تشعر بان جروح الجدران التأمت من تلك الشقوق وأصبحت ملسا أكثر سلاما..
وبالدور الأول جلس إفراد العائلة نفسهم ولكن بجو مختلف تمام عن سابقه.. حيث تعالى صوت التلفاز.. وضحكات الأم على الهاتف مع جارتها.. ومزاح توني مع ماك.. أوه نسيت إن أخبركم إن ماك استطع الرجوع بعد إن قامت والدته برشوة بعض العاملين على قضيته..
ووسط كل هذا الضجيج المعتاد بالعائلات رفعت رأسها نورا وهي تنظر إلى الباب.. من ثم وقفت وتجاوزت أختها التي كانت تتابع دراما الحديقة السرية على قناة كوريا.. وعلى أعتاب الباب وهي تمسك بقبضته تجمدت فجاه كما لو إن أحدا قد سكب دلوا من ماء بارد عليها.. وأخذت تنادي: أمي.. أمي.. اميييييييييييييييييي
صمت الجميع ونظروا لها وكانت عينيها قد جاحظتا من شدة الخوف..
نهضت الأم مسرعه: ما الآمر.. نورا ما الآمر واحتضنت ابنتها التي كانت ترتجف.. من ثم تسمرت هي الأخرى عندما سمعت ما سمعته ابنتها..
صرخة على لينا لتغلق التلفاز...
عندها سمع الجميع من الدور الثالث بأخر الرواق بالغرفة الأخيرة: أيها الحمقى إلا تسمعون.. هل أصابكم الصمم.. أين كوب الشاي يا مجنونه..
دون تفكير هرع كل من ماك وتوني إلى الطابق الثالث.. ومئات الأسئلة تتدفق برأسهم.. ومن تلك الأسئلة: كيف انه بالمصحة لقد رافقتهم عندما ذهب هناك.. لقد سمعت إن المصحة مشددة الحراسة إلى جانب انه لا يستطيع المشي.. هل كان صادقا عندما ذكر شـ.. شيطان)
أخيرا وقفا على أعتاب ذلك الباب وبدا كما كان قبل شهرين مليء بالشقوق والجو المشحون لا شعوريا بيد مرتجفة طرق توني الباب..
نظر إليه ماك وهو يتحدث بصوت اقرب للهمس: لا احد بالغرفة لماذا تـ...
ـ ادخل أيها الغبي.. قالها ذلك الصوت وهو يصرخ..
فما كان من ماك إلا إن فتح الباب لا اعلم هل كان رد فعله آليا على صوت الصراخ أم تراه من شدة الخوف الممتزج بالفضول.. وما إن فتح الباب حتى وجد والده يجلس على السرير وسط الظلام لا يلمع إلا عينيه اثر انعكاس النور من الرواق..

عندها أكمل السيد جيمس وهو يصرخ: أين كوب القهوة هاه؟!
ماك بتردد: أبي.. كيف؟! لقد اخبروني بأنك بالمصحة.. كيف؟!
توني أسرع لكي يضيء المصباح وما إن أضاءه حتى ترى لهم كل شيء سرير خالي قد بدأت خيوط العنكبوت تتشكل فوقه..
عندها تناهى لهم الصراخ من الأسفل وقد كان لوالدتهم تصرخ وتطلب النجدة.. ولا شعوريا دون إن يستوعبا الصدمة الأولى هرعا إلى الأسفل تلبية لوالدتهم..
وما إن دخلا غرفة الجلوس حتى استقبلتهم والدتهم : من صاحب الصوت؟.. هل ..!
توني وهو يقلب نظره بين أمه وماك بخوف: أمي لماذا كنتِ تصرخين؟

الأم باستغراب: اصرخ؟!..
عندها تكلم ماك كما لو كان وجد مكانه أخيرا كسيد لهذا البيت: علينا إن نغادر هذا المنزل حالا.. هناك شيء.. شيء سيء يحدث هنا..
نورا بخوف: انك ترعبني يا ماك..
والدته وهي تحتضن نورا: توقف عن تخويف أختك واخبرنا من كان..

لم يعطيها ماك وقتا لتكمل وقاطعها قالا: أمي فقط خذي الأشياء المهم الآن ولنغادر..
والدتهم لم تحرك ساكنا وهي تنتظر تفسير مقنع ..

توني: أرجوك أمي لنغادر.. فانا لا أظن أبي قد جن عندما قال تلك الأشياء هناك شيء مظلم موجود معنا بالمنزل..
شرعت نورا بالبكاء ولينا اقتربت من والدتها وأمسكت بيدها وعينها قد أعلنت انهمار الدموع..
وما إن هم الجميع بالارتقاء لغرف نومهم لأخذ ما يمكنهم إذ بالنيران تتأجج بالطابق العلوي وتجري كالماء لتلتهم السلالم..
عندها أتى الصوت.. تك.. تك .. ومن ثم تبعه.. صوت فتح الباب.. و تراك.. تراك.. تراك تراك تراك.. وقبل إن يظهر لهم صاحب ذلك الظل الأشعث صرخ ماك اركضوا هيا.. أمي نورا لينا..

فما كان من الجميع إلا إن تسارعت خطواتهم ليغادروا بينما امسك لهم ماك الباب وقبل إن يغادر رأى ذلك الشيء وهو يغلق الباب ولوهلة شعر بأن قلبه قد توقف..
وهم بالسيارة يشقون الشارع الرئيسي ليبحثوا عن فندق ليبتون فيه.. كان ماك اقرب ما يكون للميت من هول ما رأى.. أما نورا من شدة الخوف والتعب فقد تهالكت بنوم عميق حسدها عليه توني الذي كان شبه نائم وهو يقود السيارة..
تحدثت لينا: أمي أظن بان والدي..
السيدة جيمس بحزم: اصمتي .. ولا تذكري هذا الآمر أبدا..
ـ لكن أمي لا يمكن إن ندعي أننا لم نرى شيء.. لقد كان والدي محق كيف لنا إن نتركه بتلك المصحة مع المجانين..
ـ كل ذلك بسببه.. كله بسببه.. ذلك المعتوه.. لن أسامحه أبدا ولتلعنه السماء..
تنبه ماك للحوار وعلق بعبارات شاردة: بسببه..؟!  لماذا لن تسامحي والدي..؟
نظرت السيدة جيمس لولدها وقالت: تذكر ما كان يقوله لنا: أجعل أصدقائك أعدائك وأعدائك أصدقائك!!

وحطم كل تلك اللافتات المسمى أخلاص وكرم وإيثار..

ولمرة أستمع لأنانيتك المنبوذة.. ودع الغرور يسيطر على خطواتك..

وأطفئ الشمس بنسيم الليل الساحر..

وبعدها سيكون الشيطان ظلك.. والسعادة الكأس الذي تتجرع منه الحياة..

لينا بخوف وهي تراقب نظرات أمها الجادة: أمي!
السيدة جيمس وهي تخاطب نفسها: وهذه المرة لن أودي أنا لك أي خدمة لتتعفن بتلك المصحة وتلحقك لعنة السماء...
 

 ~ انتهت ~

 

هناك تعليق واحد:

  1. قصة شيطانية مذهلة
    ليس بمقدور أحد أن يجسد الموت والرعب كما تفعلين..
    مجموعة " كلب الموت " القصصية لأغاثا كريستي هي مجموعتي المفضلة لما تضمه من رعب وإثارة وغموض..
    قصتكِ هذه جديرة بالانضمام إلى المجموعة

    رائعة.. بل أكثر

    ردحذف